الاثنين، 23 مايو 2011

يوتوبيا عالمٌ .......؟ (١)


     يكمن الحلم الذي هو التاريخ الحقيقي للانسان في أعماق النفس البشرية ومنها ينطلق ربما على شكل أفكار وليدة كل عقلٍ مضطرب، ترفض الواقع المعاش وتتطلع لزمان أفضل أو مجرد زمانٍ مختلف، فالشكوى من الزمان أزلية وربما أبدية.

     وقد أصبحت الأحلام أو الخيالات وسيلة للتعبير الغير مباشر لمرحلة تطور اجتماعي نتيجة لظهور ثقافة مقيدة بقيود مجتمعية، فظهرت اليوتوبيا كاحدى وسائل التحايل على هذا الواقع والتطلع لواقع آخر قد لا يكون معاش سوى في عقل اليوتوبي ونفسه، وربما يكون منطلق ذلك أن عقل الانسان معلقاً دائماً في السماء موطنه الأصلي قبل استيطانه الأرض كما أشارت كافة الديانات السماوية وغالبية المعتقدات البشرية المحاط بهالة من الخيال والآمال.

     يعاني مصطلح يوتوبيا UTOPIA كحال الكثير من المصطلحات من اشكالية لا تكمن في معناه بل في تعدد دلالاته، فيوتوبيا كلمة أغريقية تتكون من مقطعين: OU وتعني لا وTOPOS وتعني مكان أي اللا مكان، أما أول من صاغ هذا المصطلح بصورته الحالية UTOPIA فهو المفكر الانجليزي توماس مور (1478-1535م) وجعله عنواناً لكتابه الشهير والذي أصبح لدي البعض مرادفاً لمفهوم المدينة الفاضلة، رغم أن اليوتوبيات كفكر فلسفي أو خيال أدبي ظهر منذ الحضارة اليونانية.

     تقوم اليوتوبيا على فكرة خلق مجتمع مثالي تختفي فيه الشرور ويتفانى فيه أفراده لتحقيق أهداف مثالية هي الخير والفضيلة والتي تعني غالباً المساواة وذوبان الذات الفردية والبساطة، وكأن ذلك هو المعنى المحدد والوحيد والمعنى المطلق رغم اختلاف معايير الفضيلة والخير وهو ما اعطى لليوتوبيا ابعاداً اجتماعية واقتصادية وسياسية، ولأن اليوتوبيا قامت على مجتمع مثالي -في عقل مبدعها- أصبحت جميع الأفكار الغارقة بالمثالية أو التي لا يمكن قبولها أو تطبيقها يطلق عليها أفكار يوتوبية، لكن ذلك لم يستمر طويلاً فأصبح للمصطلح معنى أشمل عندما انعدم شرط المثالية والفضيلة وأصبح مجرد مجتمع خيالي يرفض الواقع، تقول نازك الملائكة:


ويوتوبيا حلم في دميأموت وأحيا على ذكره
تخيلته بلدا من عبيرعلى أفق حرت في سرّه
هنالك عبر فضاء بعيدتذوب الكواكب في سحره
يموت الضياء ولا يتحققما لونه ما شذى زهره
هنالك حيث تذوب القيودوينطلق الفكر من أسره
وحيث تنام عيون الحياةهنالك تمتدّ يوتوبيا


     "وجود اللامكان بقلب المكان الحقيقي" هذا ما قاله ميشيل فوكو وكأنه يعني اليوتوبيا النابعة من هواجس واهتمامات كاتبها، ونقداً أو ثورة على واقع يعيشه وأفكار وأنظمة سائدة تصاغ على شكل دولة أو مجتمع أو مكان، لذلك فالفهم الأفضل والأعمق لليوتوبيا لا يستقيم إلا من خلال فهم النسق التاريخي والذي ظهرت فيه اليوتوبيا والفكر السائد والظروف المحيطة.

     ونتيجة للتراكم المعرفي حدث تحول في الفكر اليوتوبي فأصبحت اليوتوبيا تهدف لاصلاح الحياة وليس تصوير دولة أو مجتمع ذو قيم مثلى من منطلق تأجيل الحسم رغم احتفاظها بمظهرها العام، فلم نعد نبحث عن حلول جذرية بل اصلاح ما هو قائم، فعصرنا عصر التسويات والحلول الوسط، والحالمون من أصحاب الرؤى اصبحوا موضع سخرية أو احتقار والناس العمليون يحكمون حياتنا برأي ماريا تريزا برنيري.


وفي حلمي صحت : أين أسير ؟فرد صدى: قرب يوتوبيا!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق