الأربعاء، 25 مايو 2011

غريغوري السابع والقديس برنار والشيخين ناصر وأحمد


     منذ أن تنصرت أوروبا الوثنية عام ٣١٣م باعلان الإمبراطور قسطنطين الأول مرسوم ميلانو بإلغاء العقوبات على المسيحيين ظهر خلاف كاد أن يعصف بالمسيحية حيناً وبالنظام الإمبراطوري والسياسي الأوروبي حيناً آخر شغل حيزاً كبيراً من الفكر الأوروبي الديني والسياسي وهو الخلاف بين السلطتين الزمنية التي يمثلها الأباطرة والملوك وبين السلطة الدينية التي يمثلها رجال الدين المسيحيين والبابوية في روما، واستمر الخلاف حتى آمنت أوروبا بأن العلمانية هي الحل وكفا الله المسيحيين شر استمرار القتال.

     ومن رجال الدين المسيحيين الذين ساءهم هذا الصراع فحاولوا أن يوجدوا حلولاً توفيقية القديس برنار والبابا غريغوري السابع، حيث تبنى القديس برنار فكراً يرى أن العالم تحكمه سلطتان دنيوية أو زمنية وهي الإمبراطورية، ودينية أو روحية وهي البابوية، وجعل القديس برنار السيف رمزاً لكل سلطة، وتبنى البابا غريغوري السابع نفس الفكر لكنه استبدل السيفين بالشمس والقمر واعتبر السلطتين متكاملتين رغم أنهما متمايزتين وكأن احداهما تغني مع نوال للأخرى:

تدري انا وياك قصتنا مثل شمس وقمر ..
من اول الوقت حتى آخره ما ينتهون ..
كلن يدور صاحبه .. كلن يدور صاحبه ..
حكم القدر .. تشرق تبيه يغرب يبيها ..
وبالسماء يتخالفون ..

     إن وجود سلطتين دينية وزمنية مشكلة والأسوأ منها وجود سلطتين دينيتين أو زمنيتين كما هو الحال مع ناصر المحمد وأحمد الفهد واللذان يعتبران أقوى أطراف السلطة الآن في غيابٍ واضح لوزير الدفاع جابر المبارك لظروف صحية أو ذكاءاً منه (نواخذة اثنين في مركب يطبع).

     لا يخفى على من يتابع الشأن المحلي حجم الصراع بين الشيخين والذي يظهر للسطح أحياناً وأحياناً أخرى يبقى تحت الرماد كوميض نارٍ يوشك أن يكون له ضرام، فنجد أن هذا الصراع كثيراً ما يطفو على السطح عند ظهور بوادر تقديم استجواب أو تقديمه بالفعل لأحد الطرفين فيسارع هذا الطرف حمايةً لنفسه بالإيعاز للأطراف المحسوبة عليه لتقديم استجواب أو يركب موجة استجواب مستحق للطرف الآخر، لذلك حاول كلا الطرفان أن يمسك خيوط اللعبة بيده، فناصر المحمد استطاع السيطرة على وسائل الاعلام وربط نفسه بالعديد من الشخصيات المتنفذة، في حين استطاع أحمد الفهد أن يضع لنفسه طابعاً مقبولاً مقارنة بناصر المحمد بين صفوف المواطنين وامتلاكه خطة التنمية بميزانيتها الضخمة وبنودها الهلامية والتي أسالت لعاب الكثيرين، بالاضافة الى منافسته لناصر المحمد في بسط نفوذه على عدد كبير من النواب والذين يميلون طرباً اذا مع كل طرف وفق مصالحهم.

     ويأتي استجواب كتلة العمل الوطني لأحمد الفهد كاحدى حلقات هذا الصراع  ولا يعني هذا تأكيد أو نفي علاقة ناصر المحمد في تقديمة بل من المؤكد محاولته للاستفادة من نتائجه، فتقديم الحكومة استقالتها كان الهدف منه هو حماية أحمد الفهد الذي رفض صعود المنصة رغم اعلانه استعداده صعود المنصة والتي كان يدفعه لها ناصر المحمد بحجة أنه صعدها مرتين، فجاء استجواب صالح عاشور لوزير الخارجية محمد الصباح على طبق من ذهب وربما بإيعاز من أحمد الفهد لخلط الأوراق جيداً حتى تصبح المطالبة بتقديم الحكومة استقالتها ليس مطلباً لأحمد الفهد فقط فتم ذلك.

     بعد تشكيل الحكومة الجديدة قدمت كتلة العمل الشعبي استجواباً لناصر المحمد كما وعدت، كما كان من الواضح أن كتلة العمل الوطني ستقدم استجواباً آخر لأحمد الفهد وهو ما هددت به اذا ما عاد للوزارة، فصرحت بعض المصادر أن أحمد الفهد كان يطالب بأن يصعد جميع المستجوبين المنصة وإياك أعني يا ناصر المحمد الذي يرى أن صعوده المنصة الآن مغامرة غير مأمونة العواقب خصوصاً أن اعلان عدم التعاون في استجوابه الأخير قبل تقديم الحكومة استقلالتها حصد ٢٣ صوتاً، أو البحث عن مخارج أخرى بتحويل الاستجوابات الى المحكمة الدستورية أو اللجنة التشريعية، لكن الدفع المستمر من ناصر المحمد لصعود أحمد الفهد منصة الاستجواب وهو ما تم تداوله بأنه تم تخيير أحمد الفهد بين صعود المنصة أو الاستقالة خصوصاً بعد تقديم استجواب آخر لناصر المحمد، فأعلن اليوم كما ذكرت بعض المصادر وبصورة مفاجأة صعوده المنصة وهو من التزم الصمت في الأيام السابقة وهم ما نفاه أحمد الفهد ولكن لا دخان دون نار وإن كنت أرجح بحثه عن مخرج غير صعود المنصة.

     الآن أحمد الفهد على المحك ليس في الاستجواب فقط بل حياته ومستقبله السياسي فإما أن يكون أو لا يكون، فنجاحه في تفنيد محاور الاستجواب  يعطيه دفعة معنوية وسياسية تجعله بديلاً جاهزاً ومحتملاً لناصر المحمد والذي سيعاني من ضغطوط سياسية وشعبية، وستجعل البعض يفكر في الخروج من معسكره الى معسكر أحمد الفهد، خصوصاً وأن ناصر المحمد نجح بهروب واضح في تأجيل مناقشة استجوابه سنة كاملة في سابقة خطيرة، أما فشل أحمد الفهد فهي نهاية مستقبله السياسي وفي أضعف الايمان سيفقد الكثير من الرصيد الشعبي والنيابي الذي يتمتع به نوعاً ما.

     فهل سيساهم ناصر المحمد في فشل أحمد الفهد في تفنيد الاستجواب أم ستكون كلفة نجاح أحمد الفهد على ناصر المحمد عالية؟ وفي كلا الحالتين فمصائب قوم عند قوم فوائد، فهناك أطراف أخرى تعمل لازاحة أحدهما وان كانت تفضل ازاحة أحمد الفهد لتدخل هي في قصبة السباق.

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً
ويأتيك بالأخبار مالم تزود